أخبار الكويتبنوك واتصالاتمال و أعمال

غموض مسار الفائدة محلياً «حصافة»… أم «اجتهاد»؟

– عبدالمجيد الشطي: سكوت «المركزي» المتكرّر يزيد الضبابية ويعاكس الشفافية
– «المركزي» يخالف تقليد تواصله وتبيان وجهة نظره وقراره
– لماذا «الفيديرالي» واضح في سياسته ومحلياً يغيب التوضيح؟
– صالح السلمي: عدم وضوح اتجاهات الفائدة لا يُراعي مصالح الشركات والأفراد
– مجتمع الأعمال غير قادر على تحديد قراراته ائتمانياً واستثمارياً
– يصعب التكهن بقرار «المركزي» ومساره يحمل أكثر من تحليل
– علي رشيد البدر: «المركزي» غير مطالب بتوضيح موقفه إلا إذا قرّر تغييره
– مقاربة الكويت بأميركا وكذلك خليجياً غير عادلة
– جميع المؤشرات تفيد أن نتائج السياسة النقدية سليمة

يتبنّى صانعو السياسة الائتمانية في العالم بقيادة مجلس الاحتياطي الأميركي «الفيديرالي» سياسة نقدية واضحة بخصوص تحديد اتجاهات الفائدة، وهو ما بدا واضحاً منذ مارس 2022 حتى الآن، وهي الفترة التي تحقق خلالها إقرار 10 زيادات للفائدة على الدولار بإجمالي 5 في المئة.

وفي ما واكبت البنوك المركزية العالمية والخليجية خطى «الفيديرالي» بانتظام، إلا أنّ بنك الكويت المركزي عاكس هذا الاتجاه في غالبية محطاته، بمسار مستقل حمل تحولاً كبيراً في السياسة النقدية المحلية

وإذا كان تحديد السياسة النقدية مسؤولية «المركزي»، إلا أن البعض يرى أنه يخالف منذ مارس 2022 تقليده القديم في تقديم شرح يوضح وجهة نظره لاتجاهات الفائدة، برسائل واضحة لجميع مكونات الاقتصاد المرتبطة بحركة الفائدة، سواء للشركات أو للأفراد.

ما سبق لا يشكل مقدمة انتقاد لسياسة البنك المركزي الحالية في تحديد اتجاهات الفائدة، بحكم دوره وما لديه من قاعدة بيانات شاملة نقدياً واقتصادياً ومالياً، والتي يحدد بناء عليها سياسته في إحداث التوازن بين كبح جماح التضخم والمحافظة على النمو الاقتصادي.

إلا أنّ البعض يرى أن المسؤولية الممنوحة للناظم الرقابي تلزم بألا يكون عمله أشبه بالاستعدادات العسكرية التي يلفّها الغموض وكأن المطلوب مفاجأة الطرف المعني بالقرار، في حين أن المستحق دعم الجميع بالمعلومات المستحقة واللازمة في بناء القرار، سواء الائتماني أو الاستثماري أو لجهة إيداع المدخرات.

بناء القرارات

من ناحيته، يرى رئيس مجلس إدارة البنك التجاري رئيس اتحاد مصارف الكويت الأسبق عبدالمجيد الشطي أن طريقة تعاطي «المركزي» مع ملف الفائدة تنقصها الشفافية، التي يتعيّن أن تكون بحجم الحاجة لبناء القرارات الاقتصادية والاستثمارية المترتبة على تبعات الإجراء لدى مختلف مكونات الاقتصاد.

وأوضح الشطي أن المفارقة التي تفرض نفسها في هذا الخصوص لا تتعلق بنوعية السياسة النقدية المحددة لاتجاهات الفائدة، باعتبار أن «المركزي» الجهة المعنية بذلك، إلا أنها ترتبط بعدم الكشف عن اتجاهات هذه السياسة، ما يزيد الوضع الاقتصادي غموضاً ويضعف القدرة على اتخاذ القرارات الفاعلة سواء الاستثمارية أو الإيداعية.

وبيّن أن سياسة «الفيديرالي» معلنة ورئيسه دائماً يتحدث بعلانية عن اتجاهات الفائدة، وهو ما أكده جيروم باول أخيراً عقب إعلانه رفع الفائدة ربع نقطة مئوية، في ما يظل الأمر محلياً طي الغموض بما يعاكس استحقاق الشفافية.

وقال الشطي: «من حق الناس أن تعرف سياسة (المركزي) تجاه أسعار الفائدة فسكوته المتكرّر بعد رفع (الفيديرالي) والبنوك المركزية الأخرى وبينها الخليجية يزيد ضبابية الوضع، أخذاً بالاعتبار أن الاقتصاد الكويتي ليس بمعزل عن العالم، والمكاشفة مطلوبة في هذه المرحلة».

وشدّد على أن المطلوب من «المركزي» ليس تغيير سياسته تجاه الفائدة، بل شرح اعتباراته مع تحديد مستهدفاته، وبخلاف ذلك يصعب على الجهات ذات العلاقة اتخاذ القرار المناسب ما يعرّضها لمخاطر التكلفة المرتفعة وخطأ التوقعات.

وذكر الشطي أن «المركزي» كان يتميّز في السابق بسرعة تواصله مع الجهات ذات العلاقة وشرح أسباب قراره تجاه الفائدة بخلاف الفترة الحالية، ما يجعل السؤال مشروعاً حول أسباب تغيّر نهج الناظم الرقابي الذي يفترض أن يحرص على تعزيز الشفافية.

ولفت إلى أن ما يزيد الحيرة أكثر قرار «المركزي» الأخير في يناير الماضي في شأن زيادة سعر الخصم نصف نقطة، الذي اتخذه منفرداً عالمياً وبشكل مفاجئ للأسواق، مؤكداً أنّ الشفافية تلزم بتوضيح رؤية «المركزي» لاتجاهات الفائدة، تفادياً لترك ذلك تقديراً للتكهنات والمضاربين ما يُسبّب ضغوطاً غير مستحقة.

أهمية مضاعفة

من جهته، لفت رئيس اتحاد شركات الاستثمار صالح السلمي إلى أن ملف الفائدة يكتسي أهمية مضاعفة لدى صانعي السياسة الاستثمارية والائتمانية في الشركات، ما يتطلب الافصاح بوضوح عن خطط «المركزي» تجاه الفائدة سواء بالزيادة أو التثبيت مراعاة لاحتياجات الشركات التمويلية، وكذلك مراعاة للمودعين.

وقال: «عدم تبيان السياسة النقدية في ملف الفائدة سبّب ربكة لدى مجتمع الأعمال، سواء لدى الشركات الكبرى أو الصغرى فضلاً عن الأفراد، ما جعلهم غير قادرين على تحديد قراراتهم المستقبلية بدقة، وبناء مراكز ائتمانية طويلة الأجل أو حتى متوسطة، فما يُمكن اقتراضه بسعر اليوم قد تزيد تكلفته بعد أسابيع أو قد تثبت فلا أحد يستطيع استشراف المستقبل».

إيداع الأموال

وأشار السلمي إلى أن الحيرة نفسها محقّقة لدى المودعين الذين قد تدفعهم للمراهنة على فائدة أعلى للحصول على عائد أقل ولفترة أطول بسبب انتظار القرار المقبل، ناهيك عن تضرّر البعض من إيداع أموالهم لفترة سنة بفائدة تاريخ الإيداع ليتفاجأوا بعدها ودون مقدمات معلنة من «المركزي» برفع إضافي ليخسروا مع ذلك ربحاً فائتاً كان يُمكن تحقيقه إذا كانت الرؤية النقدية للمستقبل أكثر وضوحاً.

وأفاد السلمي بأن التكهن بقرار «المركزي» بات غير متوقع بدقة، كون مساره يحمل تحليلين في الوقت نفسه وهما تتبع «الفيديرالي» وتجاهله، وفي الحالتين تغيب المقدمات الشفافة لاتخاذ أي من القرارين، ما يزيد المخاطر على المستثمر والمودع.

وذكر أن ما يزيد وجاهة هذا النقاش مجاراة بنوك الخليج المركزية لمسار «الفيديرالي» منذ مارس 2022 باستثناء الكويت التي تعاكس ذلك دون إبداء التوضيح المناسب. وقال السلمي: «نحتاج لبيان من (المركزي) يُحدّد في كل مرة رؤيته بخصوص الفائدة واتجاهاتها محلياً بما يساعد الجميع في تكوين صورة واضحة عن المستقبل، ومن ثم بناء الخطط المناسبة».

غموض الرؤية

ولعلّ ما يستحق التأكيد هنا أن هناك توافقاً على أن تحديد اتجاهات الفائدة مسؤولية «المركزي» منفرداً، إلا أن النقاش المفتوح في مجتمع الأعمال ولدى صانعي السياسة الائتمانية والأفراد يدور حول مسببات غموض اتجاهات الفائدة محلياً، وما إذا كان ذلك مدفوعاً بحصافة غير مرئية أم من باب التجربة؟

وبافتراض تحقق السيناريو الثاني، يعتقد البعض أن ذلك يزيد تحمل الأطراف المعنية مخاطر من عدم اتباع الإشارات العالمية.

ويتساءل مجتمع الأعمال حول ما الذي يدركه «المركزي» من منافع في مساره بخصوص الفائدة ولم ينتبه إليه «الفيديرالي» والبنوك المركزية الرئيسية وفي الخليج؟ وما الذي يجعل الكويت آمنة ببقائها في موضع والعالم أجمع في آخر؟

سلة عملات

ويبدو أن للعضو المنتدب السابق للهيئة العامة للاستثمار ورئيس مجلس الإدارة السابق لبنك الخليج، علي رشيد البدر، رأياً آخر، حيث أشار إلى أن «المركزي» غير مطالب بتوضيح موقفه إلا إذا قرّر تغييره، وهذا ما لم يحدث أخيراً مع رفع «الفيديرالي» سعر الفائدة الأربعاء الماضي.

وبيّن البدر أن المقاربة بين أميركا والكويت قد لا تكون عادلة، باعتبار أن محرّكات القرار مختلفة بين السوقين، كما أن المقاربة أيضاً غير دقيقة خليجياً لارتباط عملات هذه الدول بالدولار، بخلاف الكويت المرتبطة نقدياً بسلة عملات ما يجعلها أكثر حرية في تتبع فائدة الدولار أو مخالفته.

وذكر أن «المركزي» قد يكون مطالباً بتفسير موقفه إذا أحدث به تغييراً، أما إذا كان هذا الموقف ثابتاً ولم يتغير فلماذا يخرج ويوضحه، منوهاً إلى أن الوضع الاقتصادي بالكويت له خصوصية عن أميركا والأسواق العالمية ما يجعل محركات الفائدة فيها مختلفة كثيراً.

وأكد البدر أن تحديد السياسة النقدية مسؤولية البنك المركزي باعتباره الجهة المسؤولة عن ذلك، منوهاً إلى أن جميع المؤشرات تفيد أن نتائج هذه السياسة سليمة، وطريقة تعاطي الناظم الرقابي مع التطورات النقدية عالمياً كانت في الصميم ولم تخرج عن المطلوب.

اتساع الفارق بين فائدة الدينار والدولار يزيد التعويض من المال العام

ما يستحق الإشارة أن اتساع الهامش بين فائدة الدينار والدولار والتي تبلغ حالياً 1.25 في المئة لمصلحة الأخير، يخالف الخطط المعلنة من «المركزي» لزيادة جاذبية الدينار، فإذا كانت لا توجد هجرة عكسية من الدينار إلى الدولار، إلا أن المخاوف في هذا الخصوص تفرض نفسها.

وإلى ذلك، قد يصعب ضمان استمرار توطين الدينار باستدامة في ظل اتساع الفجوة بين فائدة الدولار مقابل الدينار، إلا من خلال الصعود برافعة التعويض النقدي، ومن ثم ارتفاع تكلفة تدخل «المركزي» للتنظيم على حساب المال العام.

أفاد بأن الفشل باختيار الوقت المناسب للتغيير قد ينزلق بالاقتصاد لركود طويل

«الشال»: 1.25 في المئة الهامش بين الفائدة الأميركية وسعر الخصم

لفت مركز الشال للاستشارات الاقتصادية إلى أن رفع الاحتياطي الفيديرالي الأميركي سعر الفائدة الأساس على الدولار بربع النقطة المئوية في اجتماعه الأربعاء الماضي، يعني أن مخاطر التضخم مازالت أعلى من منافع حفز النمو، منوهاً إلى أنه مع تلك الزيادة، بلغت الفائدة الأساس على الدولار ما بين 5-5.25 في المئة، في حين لم يتخذ بنك الكويت المركزي، حتى نهاية الأسبوع الفائت، قراراً في شأن سعر الخصم على الدينار، ليبلغ الهامش ما بين السعرين 1-1.25 في المئة لصالح الدولار.

وأشار «الشال» في تقريره الأسبوعي إلى أن «الفيديرالي» يلاحق التطورات في مؤشرات الاقتصاد الكلي الرئيسية، موضحاً أن مؤشرات التضخم الأهم لا تزال بعيدة جداً عن الرقم المستهدف البالغ 2 في المئة.

وذكر التقرير أن خطورة الأوضاع تكمن في الفشل باختيار الوقت المناسب لتغيير مسار أسعار الفائدة، إذ حينها قد ينزلق الاقتصاد إلى حقبة طويلة من الركود، وذلك ما حدث في ثمانينات القرن الفائت.

وأفاد بأنه رغم أن أوضاع الاقتصاد الكلي الأميركي ترجح زيادة أخرى بربع النقطة المئوية في 14 يونيو المقبل، إلا أن هناك خطراً حقيقياً آخر قد يتسبب فيه الاستمرار في زيادة أسعار الفائدة، منوهاً إلى أن التعثر الذي أصاب البنوك المتوسطة الأربعة في شهر مارس الفائت، إضافة إلى أن هناك نحو 186 بنكاً آخر بعضها محل تعثر، إن ساءت الأمور، أمور توحي بأن «الفيديرالي» لم يكسب معركة الثقة بعد.

وأوضح التقرير أن أزمة المصارف قد تُحل لو أعلن «الفيديرالي» بالتوافق مع وزارة الخزانة ضمان كل الودائع، لكنه إجراء لن يتحقق، لأنه خاطئ أدبياً ومهنياً ومالياً ومكلف سياسياً، ولاحقاً مؤذياً اقتصادياً، مضيفاً: «لذلك نعتقد بأن وضع الاقتصاد العالمي ومعه كل الاقتصادات القُطرية سيستمر مضطرباً، وحالة عدم اليقين ستظل في أعلى مستوياتها، وربما يستمر هذا الوضع حتى خريف العام الجاري عندما تؤتي أو لا تؤتي السياسات النقدية المتشددة مستهدفاتها، ويصبح التنبؤ حول المستقبل، سواء إن كان المسار للأفضل أو الأسوأ، تنبؤ يحظى بمستوى ثقة أعلى».

وأكد أنه يُفترض في كل قطر أن يحسب تأثير المتغيرات الكلية على اقتصاده وفق أكثر من سيناريو، وأن يتحوط بافتراض تحقق السيناريو الأسوأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى