«الدستورية» تطوي صفحة «مجلس 2022»: اختصاصُنا شامل…. ولم نتعرّض لعمل من أعمال السيادة

– أسباب الطعن لا تصلح أساساً لدعوى البطلان الأصلية ولا تُفضي إلى تجرّد الحكم من مقوماته أو أركانه الأساسية
– الأحكام باتة لا يجوز الطعن فيها وواجبة الاحترام وملزمة لجميع سلطات الدولة
– الطعن بدعوى بطلان أصلية محصور بحالات البطلان في المادة 102 من قانون المرافعات
– في غير هذه الحالات… يجب أن يقف الاستثناء عند الحالات التي تنطوي على عيب جوهري جسيم

طوت المحكمة الدستورية نهائياً صفحة «مجلس 2022»، برفضها الطعن على حكمها الصادر بإبطاله في 19 مارس الماضي.إعلان

وأكدت المحكمة، في حيثيات حكمها الصادر أمس والتي جاءت بالغة الدلالات، أن الأحكام الصادرة عن «الدستورية»، بما فيها الأحكام في الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم التي تنظرها كمحكمة موضوع، «هي أحكام باتة، تثبت لها الحجية وهي واجبة الاحترام وملزمة للكافة، بما فيهم سلطات الدولة المختلفة، ولا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن»

الطعن الاستثنائي

وأشارت إلى أن «الأصل أن الحكم القضائي متى صدر صحيحاً يظل منتجاً لآثاره، فيمتنع النعي عليه إلا عن طريق الطعن فيه بطرق الطعن التي حددها القانون على سبيل الحصر، فإذا كان الطعن غير جائز أو كان قد استغلق طريقه فلا سبيل إلى إهدار الحكم لمساس ذلك بحجيته، وأنه وإن أُجيز استثناء الطعن بدعوى بطلان أصلية في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية، إلا أن طريق هذا الطعن الاستثنائي لا يكون إلا في حالات البطلان المنصوص عليها في المادة (102) من قانون المرافعات، أما في غير هذه الحالات فإن هذا الاستثناء يجب أن يقف عند الحالات التي تنطوي على عيب جوهري جسيم، من شأنه أن يُجرّد الحكم من مقوماته وأركانه الأساسية، ويفقده كيانه وصفته كحكم قضائي».

الجدية والبُعد عن العبثوأضافت المحكمة: أنه «غني عن البيان أن هذه المحكمة بما تحمله من أمانة القضاء وعظيم رسالته وما وُسد لها من اختصاص استناداً إلى الدستور، حارسة على أحكامه، رقيبة على الالتزام بقواعده، لا سبيل معه إلى نسبة الخطأ الجسيم الذي يهوي بقضائها إلى البطلان، إلا أن يكون الحكم المُدّعى ببطلانه قد انتفت عنه صفته القضائية»، مشيرة إلى أنه «يتعيّن في جميع الأحوال أن يتوافر في هذا الطعن الاستثنائي، ما ينبغي أن تنشط له دعوى البطلان الأصلية وتستقيم في ظله مبرراتها، وأن يتسم الطعن بالجدية والبُعد عن العبث، وألا يُتخذ طريق هذا الطعن لدداً وكيداً في غير الإطار المحدد له قانوناً، أو ذريعة لإعادة مناقشة ما قضى به الحكم الذي بات التعقيب عليه ممتنعاً، أو مدخلاً إلى التطاول على حجية هذا الحكم وإهدارها».

أسباب الطعن

أوردت المحكمة أسباب الطعن ومفادها أن «الحكم المطعون فيه قد تضمن قضاءً في مسألة تخرج عن اختصاصات المحكمة الدستورية، وخرجت فيه المحكمة عن مهمتها القضائية إلى ساحة الرأي السياسي، وفصلت في عمل من أعمال السيادة الذي يخرج عن الاختصاص الولائي للمحاكم، وانتهكت مبدأ الفصل بين السلطات، فباشرت دور الرقابة على المواءمة السياسية لمرسوم حل مجلس الأمة، وقضت برأيها وعلمها الشخصي، ونظرت في مدى أحقية أمير البلاد في إصدار المراسيم إعمالاً للمادة (107) من الدستور، وأنها تخيّرت أسباباً للحل وأغفلت أسباباً أخرى لم تعقب عليها، وأن الخلاف لم يكن هو سبب صدور مرسوم الحل بدليل تشكيل الحكومة الجديدة من ذات وزراء الحكومة المستقيلة، فضلاً عن بطلان صحيفة الطعن التي صدر في شأنها الحكم المطعون فيه، للتوقيع عليها من محام محظور عليه مخاصمة الحكومة، وهو ما يصم حكمها بالانعدام».

7 محاور في ردود المحكمة

1 – اختصاص شامل

رداً على أسباب الطعن، أوردت المحكمة ما يلي: «إن هذا النعي مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن المشرّع قد اختصها دون غيرها – طبقاً للمادة (الأولى) من قانون إنشائها رقم (14) لسنة 1973 – بالفصل في الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم، وأن اختصاصها بالفصل في هذه الطعون هو اختصاص شامل، وبما يشمل بسط رقابتها على عملية الانتخاب برمتها للتأكد من صحتها، والتحقق من أن الإجراءات، التي اتخذتها السلطة التنفيذية للتمهيد لهذه الانتخابات، لم تُخالف القيود والضوابط المنصوص عليها في الدستور، وبالتالي فإن الطعن على إجراءات هذه الانتخابات يستغرقه بحكم اللزوم اختصاص هذه المحكمة بنظره لتأثير الفصل فيه بحكم الضرورة على عملية الانتخاب، وبما مؤداه أن الإجراءات المُمهدة لعملية الانتخاب الصادر في شأنها قرارات من السلطة التنفيذية لا تستعصي على الفحص والتدقيق من قبل هذه المحكمة لدى مباشرة اختصاصها بنظر الطعون الانتخابية، للاستيثاق من اتفاق أو تعارض هذه الإجراءات مع الدستور، وإلا جاز التذرع بوجود مناطق في الدستور لا يجوز لهذه المحكمة أن تمد بصرها إليها».

2 – القيود الإجرائية لا يجوز إسقاطها بذريعة أنها أعمال سياسية

وأضافت: «لا ريب في أن القيود الإجرائية التي فرضها الدستور على السلطة التنفيذية لا يجوز إسقاطها أو تجاوزها أو التحلل منها تذرعاً بأنها أعمال سياسية، إذ إن هذا القول لا يستقيم في مجال إعمال سلطتها المقيدة طبقاً للدستور.

وبالتالي فإن لهذه المحكمة أن تُباشر رقابتها على المرسوم الصادر بحل مجلس الأمة للتأكد من مدى التزامه بالقيود والضوابط الدستورية سالفة البيان إعلاء لمبدأ الشرعية الدستورية».

3 – اقتصار الرقابة على وجود سبب الحل لا إلى السلطة التقديرية في إصداره ودواعيه

وبعدما أوردت بالتفصيل 3 سوابق في 2012 و2013 و2016، أكدت المحكمة أنها «سارت في حكمها المطعون فيه على ذات النهج الذي استقرّت عليه، وأعملت رقابتها على مرسوم الحل رقم (136) لسنة 2022 الصادر بتاريخ 2 / 8 / 2022، وخلصت إلى أن صدوره جاء بسبب عدم التوافق وعدم التعاون والاختلافات بين الحكومة السابقة ومجلس الأمة على الرغم من استقالة تلك الحكومة وتشكيل وزارة جديدة برئيس جديد، فيكون الحل بذلك قد استند إلى سبب انقضى أمره، فإنها لا تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصها أو تعرّضت لعمل من أعمال السيادة، والتي يختص القضاء وحده بتحديدها، إذ اقتصرت رقابتها على وجود سبب الحل ولم تمتد إلى السلطة التقديرية في إصداره وبواعثه ودواعيه».

4 – الطاعنون خلطوا بين الدفع بعدم الدستورية وبين بطلان أحد الإجراءات الممهدة للانتخاب

وأضافت: «وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما أثاره الطاعنون من أن المحكمة قد خلصت في قرار صدر منها في غرفة المشورة في الطعن المباشر رقم (11) لسنة 2016 بجلسة 22 / 11 / 2016، إلى أن المرسوم الصادر بحل مجلس الأمة لا يندرج في عداد التشريعات التي تصلح أن تكون محلاً للمنازعة في مدى دستوريتها بطريق الطعن الأصلي المباشر، إذ خلط الطاعنون بذلك بين الدفع بعدم الدستورية والذي يتعيّن أن ينصب على قاعدة تنظيمية عامة تتسم بالصفة التشريعية واجبة الاتباع في صدد ما صدرت في شأنه، وبين بطلان إجراء من الإجراءات الممهدة لعملية الانتخاب، والحاصل أن كل ما أثير في أسباب النعي على عملية الانتخاب في الطعن الذي صدر في شأنه الحكم المطعون فيه، أنها قد شابها عوار دستوري في الإجراءات الممهدة لها لبطلان مرسوم حل مجلس الأمة، وانتهت المحكمة في هذا الحكم إلى أن إجراء الحل قد جاء مشوباً بالبطلان مستوجباً عدم الاعتداد به وترتيب آثاره».

5 – المرسوم هو الأداة الدستورية لممارسة السلطات الأميرية

وشدّدت المحكمة على «أنه من غير المقبول ما ادّعاه الطاعنون من أن المحكمة قد نظرت في مدى أحقية أمير البلاد في إصدار المراسيم، متجاهلين أن مقتضى مبدأ ممارسة الأمير لسلطاته الدستورية بواسطة وزرائه، أن يكون المرسوم هو الأداة الدستورية لممارسة السلطات الأميرية المقررة بالدستور، وهو ما يستلزم أن يُرفع مرسوم الحل من مجلس الوزراء، وأن يُوقع عليه مع الأمير رئيس مجلس الوزراء حتى يتحمل مسؤوليته السياسية، وأن يُنسب مرسوم الحل إلى السلطة التنفيذية».

6 – التعقيب غير مُمكن على ما خلص إليه الحكم

…. مرسوم الحل صدر وفق المادة 107

وتابعت المحكمة، في حيثياتها، «إن ما أورده الطاعنون في أسباب طعنهم متعلقاً بتعييب ما خلصت إليه المحكمة من أسباب لصدور مرسوم الحل… غير مقبول، ذلك أن الحكم المطعون فيه كان واضحاً في أن الحل قد جاء وفقاً للمادة (107) من الدستور مستنداً إلى (عدم التوافق) و(عدم التعاون) و(الاختلافات) بين الحكومة السابقة ومجلس الأمة، فإن الادعاء بأن هذا الخلاف لم يكن سبباً لصدور المرسوم وأن هناك أسباباً أخرى له، لا يعدو أن يكون تعييباً للحكم فيما انتهى إليه، وإعادة مناقشة ما قضى به بعد أن أصبح التعقيب عليه ممتنعاً، وهو ما لا يجوز الادعاء به أو الخوض فيه أو التعرض له».

7 – حجية الأحكام تعلو على اعتبارات النظام العام

وردت المحكمة أيضاً على سبب آخر، موضحة أن «ما أبداه الطاعنون بخصوص بطلان صحيفة الطعن للتوقيع عليها من محام محظور عليه مخاصمة الحكومة، فهو دفع لم تتمسك به الجهة التي تقرر لمصلحتها ولم يُثر من أحدٍ في تلك الطعون، وهو – على فرض صحته وتعلقه بالنظام العام – يتعلق بواقع لم يسبق طرحه على هذه المحكمة، فلا تجوز إثارته بعد أن اكتسب الحكم المطعون فيه حجيته وصار طريق الطعن فيه مستغلقاً، باعتبار أن حجية الأحكام تعلو على اعتبارات النظام العام».

الخلاصة: الأسباب لا تصلح أساساً لدعوى البطلان الأصلية

خلصت المحكمة إلى أن «الأسباب سالفة البيان لا تُفضي إلى تجرد الحكم المطعون فيه من مقوماته أو أركانه الأساسية، ولا تفقده كيانه وصفته كحكم قضائي، وبالتالي لا تصلح أساساً لدعوى البطلان الأصلية، وينحل ما أورده الطاعنون فيها إلى طعن في الحكم غير جائز ابتغاء تجديد الخوض في ما سبق للمحكمة أن فصلت فيه، وإعادة مناقشة ما قضت به، بهدف تقويض قضائها وإنكار حجيته والمجادلة فيها، وهو أمر غير جائز لما هو مقرر من أن أحكام هذه المحكمة لها حجية مطلقة تحول دون مراجعتها أو المجادلة فيها أو السعي لنقضها، الأمر الذي يغدو معه الطعن الماثل قد أُقيم على غير أساس بما يتعيّن معه القضاء برفضه».

3 سوابق في 2012 و2013 و2016

أوردت المحكمة 3 سوابق تعكس النهج الذي استقرت عليه في صدور حكمها الأخير.وأوضحت أنه «تطبيقاً للمبادئ سالفة البيان، فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت في الطعنين رقم (6) و(30) لسنة 2012 (طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة عام 2012) بجلسة 20 / 6 / 2012 ببطلان المرسوم رقم (443) لسنة 2011 بحل مجلس الأمة بتاريخ 6 / 12 / 2011 لصدوره بناء على طلب وزارة قد زايلتها هذه الصفة بقبول الأمير استقالتها بكاملها، إذ استعار رئيس مجلس الوزراء الجديد أعضاءها ونظّمهم في اجتماع لمجلس الوزراء أخذ فيه موافقتهم على هذا الحل، وفي الطعن رقم (15) لسنة 2012 (طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة – ديسمبر 2012) بجلسة 16 / 6 / 2013 أعملت رقابتها على المرسوم رقم (241) لسنة 2012 بحل مجلس الأمة بتاريخ 7 / 10 / 2012 ورفضت النعي عليه بالبطلان، مستندة إلى أن صدوره كان بناءً على ضرورة تقتضيه نظراً لتعذر عقد جلسات مجلس الأمة لعدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقدها، وفي الطعن رقم (21) لسنة 2016 (طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة عام 2016) بجلسة 3 / 5 / 2017 رفضت أيضاً النعي ببطلان المرسوم رقم (276) لسنة 2016 بحل مجلس الأمة بتاريخ 16 / 10 / 2016 بادعاء خلوه من التسبيب المعتبر وجوباً، وانتهت إلى أن أسباب الحل الواردة بهذا المرسوم قوامها الظروف الإقليمية وما تقتضيه التحديات الأمنية وضرورة مواجهتها والرغبة في الرجوع للأمة للمساهمة في مواجهة تلك التحديات، وأن هذه الأسباب أسباب واضحة جلية تقوى على حمل مرسوم الحل، وأكدت المحكمة في هذه الطعون اختصاصها بمباشرة رقابتها على المرسوم الصادر بالحل للتأكد من مدى التزامه بالقيود والضوابط الدستورية، دون التدخل في تقدير بواعث ودواعي ذلك الحل».

ممثل «الفتوى والتشريع» فوّض الرأي للمحكمة

ذكرت المحكمة أنها نظرت الطعن بجلسة 17 مايو 2023، وأن وكيل الطاعنين قدّم مذكرة أضاف فيها أن تشكيل الحكومة الجديدة التي رفعت مرسوم حل مجلس الأمة من ذات وزراء الحكومة المستقيلة، يقطع بأن الخلاف ليس هو السبب في إصدار هذا المرسوم، وتمسك بالطلبات الواردة في صحيفة الطعن، وحضر ممثل إدارة الفتوى والتشريع وفوّض الرأي للمحكمة.

لا هيئة مُغايرة

أوردت المحكمة أنه «عما أثاره الطاعنون بخصوص نظر الطعن من هيئة لم تشارك في إصدار الحكم المطعون فيه، فإنه تجدر الإشارة إلى أن الهيئة التي أصدرت ذلك الحكم لا يبقى من أعضاء المحكمة غيرهم ما يكفي لتشكيل هيئة مُغايرة لنظر الطعن الماثل والفصل فيه».

– 5 شروط للطعن الاستثنائي

– أن تنشط له دعوى البطلان الأصلية وتستقيم في ظله مبرراتها

– أن يتسم بالجدية والبُعد عن العبث

– ألا يُتخذ طريقه لدداً وكيداً في غير الإطار المحدد له قانوناً

– ألا يُتخذ ذريعة لإعادة مناقشة ما قضى به الحكم البات

– ألا يُتخذ مدخلاً إلى التطاول على حجية الحكم وإهدارها

– 10 ردود للمحكمة على الأسباب

– الاختصاص شامل على عملية الانتخاب برمتها

– الإجراءات المُمهدة للانتخاب لا تستعصي على الفحص

– القيود الإجرائية لا يجوز إسقاطها بذريعة أنها أعمال سياسية

– الرقابة اقتصرت على وجود سبب الحل ولم تمتد إلى السلطة التقديرية

– الطاعنون خلطوا بين الدفع بعدم دستورية قاعدة عامة وبين بطلان أحد الإجراءات الممهدة للانتخاب

– غير مقبول الادّعاء بأن المحكمة نظرت في مدى أحقية أمير البلاد في إصدار المراسيم

– الطاعنون تجاهلوا أن مقتضى مبدأ ممارسة الأمير لسلطاته بواسطة وزرائه أن يكون المرسوم هو الأداة

– توقيع رئيس الوزراء على مرسوم الحل ليتحمل مسؤوليته السياسية ويُنسب المرسوم إلى السلطة التنفيذية

– غير مقبول الادّعاء بأن «عدم التوافق» لم يكن سبباً لصدور المرسوم وأن هناك أسباباً أخرى له

– حجية الأحكام تعلو على اعتبارات النظام العام

– 4 صفات للمحكمة لا سبيل معها إلى نسبة الخطأ الجسيم الذي يهوي بقضائها إلى البطلان:

– تحمل أمانة القضاء وعظيم رسالته

– ممارسة ما وُسد لها من اختصاص استناداً للدستور

– حارسة على الأحكام

– رقيبة على الالتزام بالقواعد

Exit mobile version